كيف استخف السيسي بالمصريين وقزّم دورهم؟..
في لحظة فارقة من تاريخ مصر الحديث، شهد العالم انقلابًا عسكريًا على أول رئيس مدني منتخب، محمد مرسي، الذي كان يمثل حلمًا لملايين المصريين في التغيير والحرية.
![]() |
"وَسَتَخْفُّ قَوْمَهُ فَأَطَاعُوهُ ۚ إِنَّهُمْ كَانُوا فَاسِقِينَ" |
لكن هذه اللحظة لم تكن مجرد انقلاب سياسي عادي، بل كانت بداية لفصل جديد من الخذلان والاستخفاف بالشعب المصري الذي دفع الثمن غاليًا على هذا الانقلاب.
"وَسَتَخْفُّ قَوْمَهُ فَأَطَاعُوهُ ۚ إِنَّهُمْ كَانُوا فَاسِقِينَ"
هذه الآية الكريمة تحمل في طياتها تحذيرًا شديد اللهجة عن كيف يمكن لطاغية أن يستغل قومه، ويستخف بهم، فيطاع رغم سوءه وفسقه.
هذا ما حدث فعليًا في مصر بعد 2013، حيث استغل النظام الحاكم حالة الانقسام والفساد الاعلامي وفساد الجيش وجهاز الشرطة والانهيار الأخلاقي وتفشي الأمية والجهل عند جزء كبير من الشعب المصري، ففرض سيطرته عليه بالقوة.
وفي واحدة من أكثر الصور وضوحًا لمعنى قوله تعالى : "وَسَتَخْفُّ قَوْمَهُ فَأَطَاعُوهُ إِنَّهُمْ كَانُوا فَاسِقِينَ"، أبرم السيسي مؤخرًا صفقة الغاز مع نتنياهو، صفقة لم تجلب لمصر مكاسب حقيقية بقدر ما جلبت لإسرائيل اعترافًا وشرعية اقتصادية، بينما ظل الشعب المصري صامتًا، وكأن الأمر لا يعنيه.
هذا الصمت لم يأتِ من فراغ، بل من بيئة اجتماعية غارقة في الفسق والتخاذل، حيث أصبحت الأولويات تدور حول متابعة حفلات المغنين والمغنيات، وأفلام الممثلين والممثلات، وعروض الراقصات التي تُبث ليل نهار، في مشهد يبدو وكأنه خطة ممنهجة لإشغال الناس عن القضايا المصيرية.
في ظل هذا الترفيه المفرط والمحتوى المبتذل، تم تجريد المواطن المصري من إحساسه بالمسؤولية، بل وتم تحويل وعيه إلى وعي استهلاكي تافه، يقيس الحياة بعدد المشاهدات والإعجابات، لا بعدد المواقف المشرفة.
وهكذا، وبينما كان نتنياهو يحتفل بمكاسب الصفقة، كان السيسي يواصل هندسة المشهد الداخلي ليضمن أن يظل الشعب غارقًا في اللهو، عاجزًا عن الغضب والمقاومة، خانعًا أمام أي قرار، حتى لو كان بيع ثروات بلاده لمن يحتل أرضًا عربية ويقتل أهلها في غزة.
إنها ليست مجرد صفقة غاز، بل صفقة على وشعب بأكمله، حيث باع الحاكم أم الدنيا، وتكفل الفن الهابط والإعلام الفاسد بقتل الروح، فأصبح الشعب مهيأً للطاعة العمياء، كما وصفه القرآن، "إِنَّهُمْ كَانُوا فَاسِقِينَ".
مصر اكبر بكثير من السيسي
ولم يكتفِ نظام السيسي بما صنعه من مشهد داخلي مشوه، بل استعان بخبراء من أمريكا وإسرائيل، ممن تمرسوا في هندسة وعي الشعوب وإخضاعها، ليقدموا له خططًا مدروسة لإذلال الشعب المصري وضمان بقائه في حالة خضوع دائم.
ومن أبرز هذه الخطط ما يُعرف بسياسة "التفريغ والانشغال"، وهي تقوم على إغراق المواطن في هموم الحياة اليومية من ارتفاع الأسعار، وانقطاع الخدمات، والضرائب المتزايدة وتعديل قانون الإيجارات وحملة القبض على البلوجر، بالتوازي مع ضخ موجات من الترفيه المبتذل والفن الهابط كحفلة محمد رمضان.
وبهذه الطريقة، ينشغل الناس بمطاردة لقمة العيش أو متابعة آخر الأخبار التافهة، بدلًا من أن يرفعوا رؤوسهم ليروا كيف تُنهب ثرواتهم وتُقزم مكانة بلدهم على يد من يفترض به أن يحميها.
الخذلان الذي دفعه الشعب المصري
الشعب المصري الذي انتظر التغيير الحقيقي بعد ثورة 25 يناير 2011، وجد نفسه بين مطرقة الانقلاب وسندان الانقسام الداخلي.
لم يقف الجميع صفًا واحدًا ضد الانقلاب، بل انقسموا، وظهر فيهم عدد كبير من الفساق الذين خانوا مبادئ الحرية والكرامة، فساهموا بشكل أو بآخر في تسهيل فرض النظام الجديد.
هذا الانقسام والخذلان دفع الشعب المصري ثمناً باهظاً :
- تراجع الحريات وانتهاك الحقوق
- احتجاز وتعذيب آلاف من الأبرياء
- تدهور اقتصادي واجتماعي حاد
- تراجع الدور المصري الريادي في العالم العربي
تقزيم دور مصر في المنطقة
بعد الانقلاب، تغيّرت موازين القوة في المنطقة، ولم تعد مصر القائدة التي تلعب دورًا فاعلاً في القضايا العربية الكبرى.
باتت الدولة تخضع لضغوط خارجية، وتحولت إلى مجرد تابع في خريطة التحالفات الإقليمية، بعيدًا عن دعم قضايا الأمة التي طالما كانت مصر حامية لها.
الفسق والفساد كوقود للطغيان
يُذكر أن الطغاة لا يستطيعون فرض سيطرتهم دون وجود أرضية داخلية تساعدهم. وفقًا للآية، فإن الطاغية يستغل وجود الفسق والفساق داخل شعبه ليجعلهم أداة في يدهم.
والطاغية في مصر استغل ذلك بذكاء، حيث وجد نفسه محاطًا بطبقة من الفساق الذين رضوا بالخضوع والخيانة، مما أضعف المقاومة الشعبية وأفقد الشعب تماسكه.
من خلال هذا المقال "كيف يستخف السيسي بالمصريين بعد انقلاب 2013؟". رغم الظلام الذي يعيشه المصريون، لا بد من الإيمان بأن الله لن يترك عباده المظلومين إلى الأبد. تقول الآية: "وَسَتَخْفُّ قَوْمَهُ فَأَطَاعُوهُ ۚ إِنَّهُمْ كَانُوا فَاسِقِينَ"، ولكن هذا الفسق والظلم لا يدومان. حتمًا ستأتي اللحظة التي يستيقظ فيها الشعب ويستعيد كرامته ودوره المحوري في المنطقة.
رأيك يهمنا, شارك في إرتقاء الموقع...